دولة المماليك البحرية "دراسة في بعض الوسائل التي استخدمها السلاطين لترسيخ حكمهم لإقليم مصر"
تعد الفترة التأسيسية لدولة المماليك من أهم مراحل تكوينها، إذ أنها شهدت ظهور مفاهيم خاصة، كان لها دور في استمرارها، رغم أنها أصبحت في مرحلة تالية عاملاً من عوامل ضعفها وسقوطها، بسبب الصراع على السلطة، واختلال الأنظمة الذي وضعها السلاطين الأوائل لاسيما نظام الطباق، كما أن سلاطين المماليك عملوا على البحث عن بدائل لما كانت تعانيه الدولة من أزمات، ولعل الشرعية كانت واحدة من أهم المسائل التي طرحت خلال مرحلة التأسيس وتمثلت في إمامة الأرقاء والمرأة، وقرشية الخلافة.
لقد حاول السلاطين المماليك معالجة هذه المشكلة بوسيلة، تتيح لهم الحصول على الشرعية بطريقة سهلة، من خلال الفتوى التي وضعها الشيخ العز بن عبدالسلام، والتي تم من خلالها شراء الأمراء المماليك من بيت المال وعتقهم، أما مسألة القرشية فتم حلها من خلال ما قام به السلطان الظاهر بيبرس، حين عمل على إحياء الخلافة العباسية في القاهرة، وحصل من الخليفة العباسي على الشرعية بمنحه القبول لتولي كرسي السلطنة في مصر، التي تعد آنذاك من أهم الولايات الإسلامية بسبب أهميتها السياسية والاقتصادية.
قام سلاطين المماليك باعتماد نظام دقيق لتربية المماليك (الطباق)، الذي أنشأه السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وتم تعديله في مراحل تالية وفق مصالح السلاطي ، ثم اختل في أواخر دولتهم بسبب عدم اهتمام السلاطين بتحسينه، فساعد ذلك على اختلال التركيبة الاجتماعية، مما أدى إلى سقوط الدولة.
كما استخدم المماليك مبدأ القوة في مواجهة الشرعية، والذي ورثوه عن الأيوبيين، وترسخ في عهدهم ، فقد كان لقوة السلاطين دور في احتفاظهم بقوة الدولة أمام الأخطار المحدقة بهم لاسيما الخطرين الصليبي والمغولي، فضلا مساهمتها في محافظة السلاطين أنفسهم على كرسي السلطنة في مواجهة طموح الأمراء المماليك بمساندة مماليكهم.
استحدث المماليك نظم اجتماعية جديدة حلت محل النظم الاجتماعية القائمة، نظراً لعدم تمكنهم من إيجاد منظومة اجتماعية تشبه ما كان موجوداً آنذاك، وتسهم النظم الاجتماعية الجديدة في تمكينهم من إحكام سيطرتهم على الحالة السياسية والاجتماعية، منها: التأكيد على قيم الفروسية من خلال احتضان نظام الفتوة، وإحلال العصبية القائمة على علاقتي الأستاذية والخشداشية، محل العصبية المعتمدة على الأصل الواحد المستمد من القبيلة.
إن النظم المستحدثة لم تصمد طويلاً، بسبب المصالح التي كان لها دور في تقويض هذه العلاقات، حيث استبدلت قيم الفروسية بالمصلحة الخاصة، وقام السلاطين بالاستعانة بمماليكهم للقضاء على خشداشيتهم، التي اعتبرت خطراً على طموحهم السياسي، فلم يكن مستغرباً أن يقتل السلطان الجديد خشداشيته، ومماليك السلطان الأسبق، والاستعانة بمماليكه ليحصل منهم على الدعم الكافي للمحافظة على العرش.
نعيمة عبد السلام الهادي أبوشاقور, (12-2016)